(مذکراتی)ح19 سجن ابی غریب وتنفس الصعداء
بقلم .. كريم وهاب عبيد العيدان..
سجن آخر في محطات الضياع في متاهات امبراطورية الخوف الصدامي التي حولت البلاد إلى سجن كبير ، وحولت الشعب العراقي إلى مجرد اسرى تفعل بهم مايحلو لها ..
هذا السجن هو سجن ابو غريب الذي شكل احدى محطات الارهاب البعثي كما أنه شكل احدى مظلومية الشعب العراقي .
والدكتور خلف عبدالصمد توقف عنده بشكل مفصل ، وسرد لنا الكثير عما رآه وعايشه في هذا السجن الأسود المأساوي..
يقول في مذاكراته : ( بعد أن حكمت محكمة الثورة علي بالسجن المؤبد تم نقلي إلى سجن ابي غريب وتحديدا ق2 في الزنزانة 16) والدكتور خلف في سرده يقدم لنا معلومات دقيقة بخصوص هذا السجن واعداد المعتقلين ،حيث أن زنزانته وحدها تحوي على ستين نزيلا ، ولكنه ومع هذا الواقع الاليم يرى انه افضل من السجون السابقة التي لامكان فيها للنوم على الجنب اطلاقا للسجين الا عبر نظام التناوب الذي ابتدعه المعتقلون من اجل التغلب على هذا الواقع الرهيب ..
والملفت أن سجون النظام العفلقي كانت من اكبر المساويء والجرائم المسكوت عنها ، حيث لم تسلط الأضواء عليها في الإعلام الخارجي ، ولم يتم التطرق إليها الا لماما أو بشكل عابر أو مقتضب .
وسجن ابو غريب هو من أهم الملفات السوداء في تاريخ هذا النظام ، وهو محطة مؤلمة في حياة ضحايا هذا النظام لم يتم تناولها بشكل يتناسب وحجم الدمار النفسي الذي الحق بشريحة كبيرة من أبناء الشعب العراقي ، والملفت أن شهرة سجن ابي غريب ملأت كل المنابر الاعلامية بعد إلاحتلال الأمريكي للعراق ، وتم وضعها تحت العدسات المكبرة ، متجاهلين أن ماجرى في حكم الطاغية صدام يفوق مئات المرات لماجرى في ظل الاحتلال الذي أراد بتقصد مبرمج تغليب الواقع الجديد على الأحداث السابقة ، والهاء الناس بهذا النمط المسرحي الذي يجيد المحتل التلاعب به للتغطية والتمويه على تلك المرحلة الموغلة بابشع واخطر الجرائم التي تعرضت لها البشرية ، لان أمريكا تدرك حجم الخدمات التي قدمها لها حزب البعث ، وانه السبب الرئيسي في احتلالها للعراق وان زعامات النظام فرت من ساحة المعركة دون ان تطلق رصاصة واحدة بوجه المحتل ، رغم كل زوبعتها الاعلامية ورغم كل تهديداتها الفارغة التي خدرت الشعب من أن يقوم بدوره وواجبه للتصدي لقوات الاحتلال ..
نحن لسنا بصدد تبرئة إلاحتلال الأمريكي من ارتكاب جرائم ضد معتقلي سجن ابي غريب أو بوكا أو غيرها من السجون وغير السجون ، ولكن الملفت أن التسليط الاعلامي توقف عند هذه النقطة تحديدا في مفارقة واضحة تكشف أن الأمريكان ارادوا احتواء غضب الشعب العراقي عن جرائم النظام من خلال تسليط الأضواء على مثل هذه الوقائع لسحب الانظار عن تلكم الجرائم البعثية ، لان الأمريكان بحاجة إلى وجود هذه العصابات البعثية الارهابية من اجل استخدامها كورقة في مواجهة الوضع الجديد كي لايخرج عن المحددات التي رسمتها للوضع العراقي .
اذن شكل سجن ابي غريب مرحلة اقل وطأة لكاتب المذكرات الدكتور خلف عبدالصمد قبالة تلك المحطات السابقة ، في نفس الوقت فإن هذا السجن مقسم إلى احكام عديدة متنوعة ، حيث يقول الدكتور خلف عبدالصمد ( يمكن اعطاء فكرة عامة عن سجن ابي غريب فهذا السجن يحوي نزلاء محكومين باحكام ثقيلة من سبع سنوات فما فوق واحكام خفيفة من سبع سنوات فما تحت ، فضلا عن الاحكام الخاصة او السياسية، وهي تنقسم إلى قسمين مغلقة ومفتوحة والمفتوحة يعني السماح لاشخاصها بمقابلة عوائلهم والخروج إلى ساحة المعتقل فيما أن المغلقة لا تتمتع بمثل ذلك) وطبعا كاتب المذكرات محسوب على الأحكام المغلقة مماجعله يعيش سنوات طوال محشورا في زنزانته لايرى الشمس ولاالفضاء الخارجي ، يقول الدكتور خلف عبدالصمد (بقيت لسنوات مودعا في تلك الزنزانة داخل سجن ابي غريب لم أر خلالها الشمس ، ولكن بعد توقف الحرب العراقية الايرانية اخرجونا في حدود الساعه من الزمن تحت الشمس وعندها كان يصعب علينا المشي لأننا لم نكن معتادين عليه بسبب السنوات التي قضيناها في تلك الزنزانة الصغيرة )…
انتهاء تلك الحرب غير العديد من المعطيات على المستوى الداخلي ووضع النظام أمام استحقاقات جديدة لايمكن احتواءها أو التغاضي عنها الا بتخيف بعض القيود ليس استجابة للارادة الشعبية وانما بضغط الواقع الجديد حيث تخلخلت قبضة النظام وتاكلت وحدة الحزب بل ان العائلة الحاكمة تعرضت لمؤامرات وصراعات داخلية اربكت النظام واضعفت مصداقيته مما تمخصت عنه هذا السياقات الجديدة ، ومنها تغيير طفيف في الواقع الامني الداخلي تمثل مثلا في نقل مسؤولية ادارة سجن ابي غريب إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
كما ادت إلى تخفيف الضغوطات والاجراءات التي كانت تطال المعتقلين السياسيين مما يعني أن فشل النظام في حربه مع ايران جعل أوضاع البلد في غير صالحه ، لان حتى الحرب كانت موجهة لتدمير العراق الذي لم يكن له اية مصلحة فيها ، لان استراتجيا الحرب تقول : ان المنتصر فيها ليس من يبدأها بل المنتصر فيها هو من ينهيها لمصلحته ، وهذا مافشل فيه النظام ، لذلك وجه بوصلة العدوان لمكان آخر وهو الكويت لتحترق بذلك أخر ورقة له وليكون وضع العراق على طبق من ذهب للاحتلال الأمريكي …
هذه الفترة استغلها المعتقلون لترميم الحالة النفسية واعادة التاهيل الروحي عبر حفظ القران من خلال ماحملته صدورهم ليتم تعميمها عليهم لرفد الحالة الروحية وتعزيز حالة الصبر والصمود ، كما تم تخصيص جلسات لدروس الاخلاق وبناء جسور الثقة المتبادلة والتضحية ، مما ساهم في خلق مجتمع جديد ملؤه الصدق والبصيرة والعقيدة ….
Visit the official Telegram website, choose the appropriate operating system such as Windows, macOS, Android, iOS, etc., and download the application. Enjoy seamless communication across devices with Telegram’s secure and fast messaging features, including text, voice calls, and file sharing, all backed by end-to-end encryption for enhanced privacy.