بغداد وأربيل … والاتفاقيات المرحلية !
منذ الاطاحة بالنظام السابق في سنة 2003 ولحد الآن فإن (الكُرد) شريك للحكم في بغداد مع نفس التيارات والقوى السياسية التي كانت في يوم ما تصطف جميعاً مع القوى الكُردية في مواجهة النظام السابق، إضافة الى قوى أخرى مستجدة على الساحة العراقية بعد 2003، ومع تشكيل أول حكومة عراقية في 28 حزيران 2004 والتي حلت محل سلطة الائتلاف الوطني ومجلس الحكم، والكُرد شركاء أساسيين في ادارة الدولة العراقية الجديدة التي اتخذت من الآليات الديمقراطية أسلوباً لنظام الحكم، إضافة الى تمتع الكُرد باقليم دستوري وحكومة محلية، وكانت مساهمة الكُرد فاعلة أيضاً في كتابة الدستور الذي خرج بصيغته الحالية سنة 2005، لكن للأسف فمنذ أكثر من عقد ونصف من نظام الحكم الديمقراطي الائتلافي في العراق لم تفلح القوى السياسية في الوصول الى حلٍ نهائي للمشاكل العالقة بين المركز(بغداد) وبين اقليم كُردستان، ولأسباب لم تعد تستدعي الكثير من الجهد للتعرف عليها، هذا في وقت اذا علمنا بأن هذه المشاكل (قديمة- جديدة) وهي من تداعيات سياسات الأنظمة الحاكمة التي حكمت العراق عبر تاريخه الحديث كدولة مدنية، وكذلك مواقف الحركة الكُردية التي كانت تتذبذب بين العمليات المسلحة حيناً والتفاوض في أحايين أخرى.
ودون الوقوف عند المحطات التاريخية لهذا الموضوع فاننا الآن كعراقيين أمام مشاكل كبيرة ومعقدة ومتشعبة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وبين حكومة اقليم كُردستان، لكنها –حتماً- ليست مشاكل عصية على الحل، فلا مشكلة ولا عقدة في عالم السياسة الا ولها مخرج، لكن ذلك الحل دوماً يعتمد على توفر الارادة اللازمة لدى أطراف الخلاف للوصول الى نتائج ايجابية مرجوة بخاصة في حدود (بلد واحد).
كما تمت الإشارة آنفاً فان أسباب عدم التوصل الى حلول جذرية لم تعد عصية على الفهم او على أن تُعرف، وهي أسباب واضحة، ألا وهي أن كل المحطات التي تم فيها الوصول الى صيغ الحلول فيما يخص المشاكل بين (بغداد وأربيل) كانت عبارة عن اتفاقيات مرحلية هشة، ولم تكن عبر آليات دستورية مستديمة، بل تم الوصول اليها بين القوى السياسية الشريكة في الحكم بسرعة قياسية، وبالمقدور هنا تسميتها باتفاقيات (الجنتلمان)، في وقت كانت كل القوى بما فيها الكُردية تدرك أن هذه الاتفاقيات قابلة وبسهولة للانهيار كون أن هذه الاتفاقيات كانت تأتي تقريباً (قبل او مع او بعد) تشكيل كل حكومة جديدة..!
وقد لا يمكن طرح سبب وجيه آخر يؤدي دوماً الى أن تبقى هذه المشاكل تأخذ طابع الاستدامة أو قد تمضي الى الحل ببطء السلحفاة، وهذا السبب هو انعدام الثقة بين الأطراف السياسية بمختلف انتماءاتها وبخاصة بين القوى الكُردية والقوى الفاعلة في بغداد، وهنا – بحسب رؤية الكاتب- سيكون هناك مخرج لهذا النفق ومحصلة جيدة من الحلول لهذه المشاكل لو تم تبني الآليات الدستورية والقانونية من جهة ومن ثم محاولة بناء الثقة بين اقليم كُردستان والقوى الشريكة في الحكم في بغداد وتبني نهج (الهوية الوطنية العراقية) بعيداً عن الرؤية الهوياتية الضيقة سواءً كانت عرقية أو مذهبية أو دينية أو مناطقية، فكلما ابتعد العقل عن التفكير الضيق بنمطية (الحق المطلق) كلما كان العقل أقرب للحل والسلام والايمان بالعيش المشترك بدلاً من التعقيد والخلافات والاحقاد والتباعد.
وقد لا أكون مغالياً هنا أو متجاوزاً الحق الطبيعي في مطالبة أطراف الخلاف بكبح جماح الخطاب الاعلامي التصعيدي، وبخاصة من قبل بعض الوجوه التي تظهر في أجهزة الاعلام من نواب أو متحدثين أو محللين والذين لا يزيدون في الطين الا بلةً ولا يضيفون الى المشهد الا الكثير من التعقيد.
هفال زاخوي
• كاتب واعلامي وأكاديمي