المقالات

عراق ما بعد العولمة بين ماركس ..وكينز ..وفريدمان حكومة السوداني بدات كنزية وانتهت فريدمانية والشعب يريدها ماركسية

بقلم: عباس عبود ..

منذ الكساد الأعظم في ثلاثينات القرن الماضي إلى إليوم تأرجحت الراسمالية العالمية بين نظريتين الاولى النظرية الكنزية التي اسسها عالم الاقتصادي الإنكليزي #جونميناردكينز والتي تقوم على ضرورة تدخل الحكومات في حماية الاقتصاد أوقات الأزمات من خلال زيادة الإنفاق واجراءات اخرى تضمن عودة الحركة إلى طبيعتها

والثانية لعالم الاقتصاد الأمريكي #ميلتون_فريدمان والتي تقوم على تقليل التدخل الحكومي في الاقتصاد، وإتاحة المزيد من الحرية للأفراد وباتت تعرف بالمدرسة النقدية
وهذه المدرسة هي القلب النابض لليبرالية الجديدة والعولمة ويكفي أن نعرف طبيعة هذه النظرية من خلال افكار فريدمان وهو صاحب مقولة:
“أن رجال الاعمال الذين لديهم ضمير اجتماعي هم عن غير قصد دمى القوى الفكرية التي كانت تعمل على تقويض أسس المجتمع الحر”

سادت الكنزية خلال فترة مابين الحربين وما بعد الحرب العالمية الثانية وأسهمت في حل مشكلات الاقتصاد العالمي
لكنها تراجعت نهاية سبعينات القرن العشرين نتيجة تفاعلات سياسية واقتصادية ودخل العالم عصرا جديدا عندما تبنى #صندوقالنقدالدولي والبنك الدولي افكار #المدرسة_النقدية لفريدمان وباتت تفرض على دول العالم الثالث افكارها

وعند وصول #مارجريتتاتشر لرئاسة الوزراء في بريطانيا أعلنت عن قيامها بإصلاحات اقتصادية جذرية بناء على افكار فريدمان وهو مافعله #رونالدريغان عند وصوله للبيت الأبيض حيث استقبل فريدمان وجعله من مستشاريه المقربين لترفع واشطن راية الليبرالية الجديدة .

وبهذا أسست واشنطن الخطوة الاولى للعولمة التي قامت على نشر #الليبرالية_الجديدة واقتصاد السوق والنتيجة تهميش الطبقات الدنيا ورفع الدعم عن السلع ورفع يد الدولة عن دعم الاقتصاد وتقليص الوظائف العامة مع تقليص وظائف الدولة وحصرها في حقول محددة ..

ومنذ ذلك التاريخ سعت واشنطن بقوة لنشر #العولمة القائمة على مبادي الليبرالية الجديدة باسم افكار السوق الحرة من خلال منظمة التجارة الدولية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي .

واستمرت في استنزاف الدول الفقيرة لغاية عام 2008 حيث رفع الحزب الديموقراطي الأمريكي شعار التغيير وصادف حصول ازمة الرهون العقارية عام 2008 والتي اجبرت الرئيس الأمريكي #باراك_اوباما إلى العودة إلى افكار كينز وانقاذ البنوك الأمريكية من الإفلاس والانهيار .

ويمثل هذا التاريخ نهاية عصر العولمة ودخول العالم عهد جديد..تراجعت فيه الليبرالية الجديدة وصعدت للواجهة قوى يسارية وشعبوية خاصة في إيطاليا وإسبانيا واعلن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق جولدن براون والرئيس الفرنسي مانويل ماكرون العودة إلى النظرية الكنزية ببل وتوجيه النقد للنظرية النقدية والتخلي عن الليبرالية الجديدة التي تسببت في تفاقم الأزمات العالمية ونشر القرصنة والاوبئة والفقر والأمية والتخلف لصالح قلة راسمالية مستفيدة ..

وشهد العالم تاسيس منظمة بريكس بين روسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا والهند والصين وفق قواعد اقتصادية رافضة للمدرسة النقدية ومدرسة شكاغو التي جسّدت وحشية مبادئ العولمة.

في العراق مازال العقل السياسي والاقتصادي العراقي يحاول إجلاس فريدمان وماركس وكينز على كرسي واحد

حيث يحاول قادة العراق نقل الاقتصاد العراقي من نموذج اشتراكي مشوه هو الأقرب لنموذج راسمالية الدولة إلى اقتصاد سوق مشوه هو الأقرب إلى الفوضى والفساد مع غياب عقيدة اقتصادية واضحة الملامح تحدد مسار النظام النقدي والاقتصادي العراقي..

وقد تباين موقف رؤساء الحكومات العراقية واختلفت سياساتهم النقدية والاقتصادية :
ففي حكومة #نوري_المالكي الاولى تناقضت رؤى المالكي الأقرب الى دعم الطبقات الفقيرة والمتضررة مع رؤية محافظ البنك المركزي العراقي سنان الشبيبي الأقرب الى اقتصاد السوق

بينما حاول رئيس الوزراء #حيدر_العبادي الاندماج بالنظام الاقتصادي الدولي من خلال فتح قنوات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية والخضوع لمساعيهما في (اصلاح) المنظومة الاقتصادية العراقية.

اما رئيس الوزراء الأسبق المتخصص في الاقتصاد #عادلعبدالمهدي فلم يتردد في إعلان رفضه للنموذج الغربي وانحيازه للنموذج الشرقي الذي يجسده النمو الصيني المذهل لكن هذه الحكومة لم تكن تمتلك ادوات عملية للتحول او الإصلاح الاقتصادي الامر الذي ادخل الحكومة في مواجهة مع الشارع انتهى بسقوطها ..

وفي عهد رئيس الوزراء السابق #مصطفى_الكاظمي كان وزير المالية علي عبد الأمير علاوي الاكثر صراحة وحماسة في التحول باتجاه تبني افكار مدرسة شيكاغو والليبرالية الجديدة في أوج تراجعها في مهدها من خلال تقليص حدود دعم الدولة للشرائح الفقيرة وتحجيم عملية التوظيف وقد أعلنت الحكومة عن ما اسمتها بالورقة البيضاء.

وبالفعل بدات حكومة الكاظمي بتسريح أعداد كبيرة من الموظفين من خلال تقليص سن التقاعد لثلاث سنوات ورفع سعر صرف الدولار وتمديد مساحة الرأسمالية على حساب القطاع العام بدعوى تشجيع الاستثمار لكنها اي الحكومة لم تتمكن من ضبط حركة الدولار من والى البنك المركزي العراقي واخفقت في احكام السيطرة على الاقتصاد العراقي وتضاعفت مستويات الفقر .

في عهد حكومة #محمدشياعالسوداني حاولت الحكومة استيعاب ضغط الشارع من خلال قرارات اقتصادية تم اتخاذها وفقد تصور سياسي لكنها لم تحقق نتائج مرضية وبنفس الوقت لم تقرب بغداد من المثلث الرأسمالي العالمي صندوق النقد والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية بل واجهت المصارف العراقية طوق أمريكي خانق باتجاه تحجيمها.

لهذا بدات حكومة السوداني باتخاذ اجراءات جديدة تذكر العالم الرأسمالي بانها ماضية في إصلاحات اقتصادية تؤهلها لنيل ثقة القطب الرأسمالي في واشنطن من خلال رفع الدعم عن البنزين وتوسيع مساحة الضرائب مع محاولات لإنعاش سعر صرف الدولار والسيطرة على حركة النقد وتقليص الهوة مع السوق الموازي.

النتيجة أن الاجراءات الحكومية في العام الثاني من عمرها تتناقض مع اجراءاتها في العام الاول ونستطيع القول انها بدات كنزية وانتهت فريدمانية والشعب يريدها ماركسية ..فالكرسي لايتسع إلا لعنوان واحد تحدده نتائج زيارة السوداني الى واشنطن ..

عباس عبود

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
FacebookTwitterYoutube
إغلاق