هل ينجح رجل المخابرات العراقي في تغيير المعادلات كما فعلها بوش الأب وبوتين؟
يقول مدير الدراسات في معهد الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد توبي دودج عن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي “إنه مفاوض بارز ولاعب ذكي”، ويضيف ” أنه لا يمكنه الفشل”، هكذا يرى المراقبون الغربيون والمهتمون بالشأن العراقي في رجل العراق القادم من عالم الصمت، والعمل بلا ضوضاء او جلبة إعلامية، فالرجل مفاوض حقيقي، ولاعب ذكي اثبت الآن هذه الجدارة بالفعل، وهو يتغلب على الصعاب، ويرتق بتأن ودقة ” فتوق” الخلافات الداخلية، ويردم الهوة الواسعة بين الأقطاب الدولية، حيث سيحقق اختراقاً في هذا التصادم المؤذي، لينتج معادلة “السيادة الوطنية” في وقت تنهار فيه السيادات والإستقلاليات في العالم، وتتفكك أزاء العولمة اعظم الدول، فكيف حقق رجل المخابرات العراقية هذا، وماذا ننتظر منه في قادم الأيام من مفاجأت وإنجازات قد يقلب فيها موازين القوى، ويعيد الأمور الى نصابها الصحيح.
بطبيعة الحال، يحدثنا التاريخ السياسي الحديث على الأقل، عن شخصيات قدمت من عالم المخابرات السري والمحاط بهالة الكتمان، الى عالم السياسة والأجواء المليئة بالنقاش والأضواء الساطعة، واستطاعت أن تترك خلفها بصمات واضحة للغاية، وكان هولاء الرجال من أنجح الرؤساء الذين خلدتهم تواريخ بلدانهم.
نعم، فالتاريخ يحدثنا عن شخصيات مخابراتية تولت رئاسة دولاً عظمى وحققت انجازات واحداث ظلت في التاريخ قائمة ولا تزال تغير مسار الأحداث، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، الذي تولى في العقد السابع من القرن الماضي، رئاسة وكالة المخابرات الأمريكية (CIA ) وعمل في أروقتها لسنوات، ثم ليندفع الى عالم السياسة، شاغلاً لعقدين تقريباً اهم المواقع، نائباً للرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، ثم ليترشح في العام 1989 رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، شهدت فترة رئاسته لأمريكا، احداثاً غير بموجبها وجه العالم كما قلنا، منها حل الاتحاد السوفيتي السابق، بعد توقيعه معاهدة سلام شهيرة، انهت الحرب البادرة مع الاتحاد السوفيتي، ليطلق مُصطلح ” النظام العالمي الجديد” الذي دخل في الأدبيات السياسية، تنظيراً ومفهوماً عن تغيير شكل العالم برمته، كما قاد الرجل حرباً عالمية كبرى أثر غزو صدام للكويت.
وفي تاريخ رجال المخابرات العالمية ايضاً، يحدثنا التاريخ عن الرئيس فلاديمير بوتين، الرجل القادم من أروقة المخابرات الروسية السرية، الى العالم، وفي وقت كان العالم يختتم الفيته الثانية، أطل الرئيس الروسي الهرم بورتيس يلتسين ليعلن انتقال الرئاسة الى رجل في مطلع عقده الخامس، صامت جداً، وقليل الظهور اعلامياً انذاك، ليقود بوتين لاحقاً روسيا المنهارة، واقتصادها المتداعي ومؤسساتها الفاسدة والمنخورة، ومجتمعها المفكك المثقل بأوزار الماضي نحو النهوض ثانيةً، وليحول هذه الدولة المريضة التي كادت أن تنتهي الى ماخور كبير يصدر ” العاهرات” الى العالم، الى دولة محترمة ذات حضور مؤثر في العالم الجديد.
رجل المخابرات العراقي
في اللحظة العراقية الراهنة، وبعد انغلاق سياسي لم تشهده العملية السياسية منذ انطلاقها، وعجز القوى السياسية التقليدية ( الشيعية، السنية، الكردية) عن استيلاد مرشح أخر من بين رؤوسها، كانت الانظار مشدودة نحو خيار غير مجرب، عسى أن ينقذ دولة تنهار وتتقسم وتُنهب وتباد بلا رحمة، بل أن ثمة منطقاً عجيباً كان ولم يزل سائداً بين رجالات الدولة العراقية منذ سبعة عشر عاماً، منطق تغانم وتهافت على المصالح، يشجع الجميع في المضي نحو لعبة خطرة، وهي هز شجرة المجتمع المتشنج لجني ثمار آنية، هنا برزت الحاجة الى شخصية تمتاز بقدرات غير تقليدية، ولديها رؤية اعمق مما مطروح، ومما هو متداول، ليتم الدفع بها نحو الموقع الأول في الدولة، فكان الخيار الناجح، هو الدفع بالسيد الكاظمي من اروقة المخابرات النشطة في عهده، الى موقع المسؤولية الأول في الدولة، وهنا يرى الجميع ان اختراقاً نوعياً قد تحقق في بنية العملية السياسية المحمية بجدار طائفي تحاصصي عال، فالعملية السياسية في العراق، هرمت وشاخت وباتت تكرر نفسها، وتجتر خياراتها مرةً بعد أخرى، وتتوسل التجريب غير المبدع، وتحاول ان تعيد انتاج الخسارات والخيبات بأسماء واشكال مختلفة.
فالعراقيون الآن، يتطلعون الى عهد سياسي ودولي غير مسبوق، يعدون الدقائق والساعات ليروا ان رئيساً للحكومة يقود البلاد نحو ضفة آمنة، وينجح في تأمين حدود مقبولة من مصالح المجتمع، ويعيد بوصلة السفينة التي طالت سنوات ابحارها، عبر اعادة تعريف لمفاهيم الدولة والمواطنة والديمقراطية والعدالة، وحكم القانون، والسيادة الوطنية، والأهم من هذا كله الثقة التي يريد الشعب ان يعيدها لنخبة سياسية لا تخدعه بشعارات براقة.