المقالات

الجمهور السياسي

بقلم : حسن المياح …

لو أردنا التحدث عن السياسة والسياسيين وكيفية عملها وحراكهم ، لا بد لنا من أن نتحدث عن القاعدة التي هي أساس البناء ، والقاعدة هنا هي أساس الحراك لأنها تمثل البناء التحتي الذي يعتمد عليه الحزب بما هو تنظيم ، والذي يرتكز عليه الحزبيون السياسيون بما هم قادة وزعماء ، ورؤوساء وأمناء ، وما الى ذلك من توصيفات قيادية ، وعنوانين وجود قيادة وتحزب …. والقاعدة هي الجمهور ….

وكل حزب لا بد له من عقيدة يقوم على أساسها ، ومنها تنبثق رسالة ، ويكون على أساسها تشريعات ونظام حكم سياسي إجتماعي …. ، وهذا الحزب له هدف ينشده ويعمل جاهدآ حثيثآ مستمرآ وصولآ إليه ، وله غاية يبتغي تحقيقها ، ولما يحققها ، يكون قد أدى رسالته التي من أجلها نذر نفسه أن يكون عامل حراك سياسي ( كادر حزبي سياسي ) .يمشي على الأرض كدحآ رساليآ سياسيآ حزبيآ من أجل قيام حكومة وفق ما يتبناه من عقيدة ومباديء رسالية سياسية حزبية …… وهكذا هي تنشأ الأحزاب والحركات السياسية التي تتصدى حراكآ وعملآ سياسيآ في حومة واقع الحياة لتأسيس الحكومات …….

ولا بد للحزب — بالإضافة الأساس الى العقيدة والمباديء الأسس — الى قيادة تفكير وميدان ، والى كادر إنتماء وجمهور ولاء ينخرط تنظيمآ ، ويعمل على أساس ما يصدر اليه من تعليمات وأوامر ، وإرشادات وتوجيهات ، وما الى ذلك من أمور تنظيمية ، على أن يسود الإحترام المتبادل ، وأن تكون مزاولة العمل وممارسة التحرك وفق سياقات العمل الرسالي والحزبي بتكتيك ( حراك واع هادف ) إجراءات حراك سياسي فاعل ذي موج مؤثر جاذب في عالم الواقع …..

القيادة غالبآ ما تكون مهيئة ومعدة ومعروفة بكل ما تحتاجه من مستلزمات أن تكون قيادة حركية واعية ، عاملة دؤوبة نشطة ، صابرة محتملة متحملة متطلعة ، هادفة قاصدة ، ذات غاية أساس واضحة راشدة محركة تزود ( الإنسان ) العامل الرسالي الحزبي السياسي بطاقة ووقود ، وتوجيه وإرشاد ، وأنه يعمل من أجل الوصول اليها ….. وذلك لأنها الغاية هي من وجوده الإنساني العام ، بما ينطوي عليه من تكليف عقيدة وتطبيق تشريعات ، وممارسة عمل سياسي حزبي ينظم جهوده في وعي وإنتظام ….. وعادة القيادة تكون قليلة الكم من حيث العدد والوجود القائد ، وتكون متفاوتة مختلفة النوع ، ولكنها هي القيادة الراشدة المرشدة الموجهة المتابعة المحاسبة ….

وأما الجمهور فهو الثقل الأكبر في ميزان الحراك الحزبي السياسي ( إنتماءآ حزبيآ حقيقيآ ، أو هوى عاطفة وميل شوق وشعور وهوى مزاج جاذب ) الذي يخوض ممارسة التجربة السياسية في ميدان واقع الحياة ، وهو الأساس في الفوز والتفوق ، والمد والموج ، لأن بموجه الكثيف الكثير الشديد المتفوق العارم يكتسح الساحة ، ويسيطر ، ويكون القائد الذي يحكم ويتسلط … والجمهور ينقسم الى نوعين ، هما : الواعي ، والآخر العاطفي … وهذا التقسيم على أساس المفهوم العام الذي يميز العقل الذي هو أساس الوعي ، والعاطفة التي تكون هي الأساس — بما لها من جذب وإستقطاب — في التجمع والتجمهر … والجمهور الواعي لا يخلو من عاطفة ؛ ولكنها مهذبة منظمة … والجمهور العاطفي هو جمهور الطاقة الحرارية التي تغذي ، والشحن الشعوري المؤقت الذي يمد ….

والجمهور كمآ يعني كثافة وجود إنتماء ، وكثرة عدد ولاء ، وهو مطلوب ومفضل وجميل ، ولأنه يقوي ويعزز ويرهب ويخيف …. والجمهور نوعآ هو الأساس والضروري والأكثر أهمية لما له من وعي ثابت راسخ ، وأصالة وجود دائم لا تريم ولا تتحرك ، ولا تتغير ولا تتبدل …. وهو المادة الضخمة الدسمة حراكآ حزبيآ ، وذو موج حراك سياسي عامل جاذب مستقطب جامع ، وهو أساس وعدة العمل الحزبي السياسي على أساس قوة الإنتماء وصلابته ، ومنعة الولاء وثباته ، ويكون القوة الجبارة التي تنزل الى ساحة العمل السياسي الحزبي ، وخصوصآ إذا كان كمه كثرة عدد بنوع ، وكثافة وجود بوعي …. وهكذا هي الأحزاب الرسالية القوية الثابتة المؤثرة والتي لها وقع وجودي راهب رهيب ، قوي عزيز ، مخيف مهيب ….. وغالبآ هذه هي نشأة الأحزاب الآيدلوجية الأساس الأولى من شيوعية ودعوة رسالية ، وقومية ومستوردة أفكار وآيدلوجيات غربية وشرقية …….. وأنها أحزاب تشكيل صبغة … لا صبغ وألوان تشكيلات وتجمعات وتوافقات أصباغ …. والصبغة هي مادة أساس أصل ثابتة راسخة لا تزول ولا تتضاءل ولا تتغير ولا تتبدل ، مهما هبت عليها كل أنواع العواصف والأعاصير القالعة اللاغية ، الكاسحة الماحية …

وهي ( أي الصبغة هذه ) ليست هي الصبغ اللون الذي يذهب ويزول لو سكب عليه الماء ، أو إمتزج أو خولط بمادة أخرى مؤثرة تخففه وتؤثر عليه ، وتقلعه وتزيله ، وتلاشيه وتخفيه ….. وتلك هي الأحزاب التي جمهورها عاطفي ، الذي تشده حماسة الحدث الواقع الذي يزول ، وتنشأه جواذب الحب العاطفي والتعلق المزاجي الذي هو عليه الإنسان الذي يتصرف على أساس العاطفة والمزاج ….

ومصاديق كلا النوعين موجودة عندنا في العراق ، وخصوصآ النوع الثاني العاطفي الذي إستفحل وجود إنتشار واسع بعد عام ٢٠٠٣م …..

والعاطفة هي الميل ، وهذا الميل أنواع ، منه ما يتعلق بالحب النفسي والقلبي ، ومنه ما يتعلق بالجذب الفكري والعقيدي ، ومنه ما هو خاضع الى العشق الشخصي ككارزما وجود وتأثير لبطل ، والبطل أنواع وأشكال ، منه الرمز ( الشخص الإنسان ) الديني ، والرمز الجمالي الشكلي وهيئة سمت وجود إنسان جاذب جميل ، والرمز القائد السياسي ذو المؤهلات والإمكانيات ، والرمز القائد العسكري بما له من صولات قتالية وبطولات حربية ، والرمز الوجود الإجتماعي كشيخ عشيرة أو رب أسرة كبيرة ، والرمز مهنة أو هواية أو تخصص أو موهبة ، وما الى ذلك من رموز ووجودات طاقات وتهيئات وإستعدادات وطاقات …..

فهذا الرمز يجذب جمهورآ ، غالبآ وربمآ دائمآ ما تسوده العاطفة والرغبة ، والمحبة القلبية والشوق الشعوري والإحساس العاطفي ، وأن هذا الجمهور سرعان ما يضئل ويموع ، ويضعف ويبهت ، ويتلاشي ويختفي ، ويمور ويموت ، وما الى ذلك من صفات زوال ، ونعوت إختفاء …. وآن بقي منه شيء ، فهو مخلفات أطلال قديمة عتيقة بالية ، متهرئة متفردشة ، متخلخلة واهية ……

ونسأل الله سبحانه وتعالى الى أن يقيض لنا الفرصة والفرص ، لتناول هذا الموضوع الهام ، وما اليه من مواضيع حيوية مشابهة له ضرورة وإهتمامآ …..

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

حسن المياح – البصرة .

حسن المياح

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
FacebookTwitterYoutube
إغلاق