مذكراتي .. 14 العراق ومعتقل الفضيلية
بقلم .. كريم وهاب عبيد العيدان ..
رغم أن العراق تحول إلى سجن كبير الا أن بعض المعتقلات لا يمكن وصفها إلا أنها زنزانات ابادة للكيان الانساني ، ومن اهم هذه المعتقلات ، سجن ابو غريب ومعتقل الفضيلة ،وهذان المعتقلان خصصا للشباب المؤمن المتدين من الدعاة ، وسعادة النائب الدكتور خلف عبدالصمد خصص احد اعمدة كتابه (مذكراتي) لتسليط الضوء على معتقل الفضيلية الذي يفترض أن يتحول إلى متحف لمشاهدة ادوات التعذيب ، والرجال الذين سطروا ملاحم الصمود بوجه الجلادين ، وصور الضحايا وقصصهم التي لاتسعها مجلدات الكتب ، وفي ايران تحولت العديد من قصور الشاه وعدد من معتقلاته إلى متاحف تحكي للاجيال القادمة قصة جهاد شعب باحث عن الحياة الكريمة وعن الحرية والسعادة ..
كاتب (مذكراتي) كشف معطيات جديدة ومهمة من خلال تركيزه على اعداد الدعاة المعتقلين في المعتقل المخصص للاحكام الخاصة. واغلبهم من محافظة البصرة المضحية .
الدكتور خلف عبدالصمد يقول في هذا الصدد (وجدت معتقل الفضيلية الذي كان اسطبلا لخيول العائلة الملكية قبل انقلاب 1958 يشتمل على عدد من المعتقلين وغالبيتهم من الدعاة ) ، كما اشار إلى وجود اعداد من المسيحيين من حزب أولاد مريم واعداد من البعثيين المحسوبين على الجناح السوري وبعض المصريين من جماعة الهجرة والتكفير وحتى من الإيرانيين ،الذين اشار الكاتب إلى كثرة اعدادهم ، كما تطرق الى إحدى انتفاضاتهم التي تم القضاء عليها بمكر جلاوزة النظام ، ووعودهم المزيفة..
النقطة المهمة التي يجب التوقف عندها هي اعتقال مجموعة من حزب أولاد مريم المسيحي ، وهي نقطة حرية بالتدقيق علما بأن مؤسسي حزب البعث هم من المسيحيين ، وعلى راسهم ميشيل عفلق، ما يلفت النظر أن حزب البعث اجتذب في قياداته منذ تأسيسه كوادر مسيحية و أخرى من أصول غير عربية، فميشيل عفلق مسيحي من أصول تركية ، اما على صالح السعدي و عبد الكريم الشيخلي و طه ياسين رمضان من أصول كردية. العناصر المسيحية الأخرى طارق عزيز و الياس فرح و نقولا الفرزلي وغيرهم كثيرون. والملفت أن حزب البعث منذ تأسيسه كانت له علاقات وثيقة مع الفاتيكان و الكنيسة المارونية و الكنيسة الصربية أرسى أسسها طارق عزيز فقد مد حزب المارونيين في لبنان بالمال و السلاح قبل وأثناء و بعد الحرب الأهلية في لبنان ، و العراق في زمن البعث كان هو الدولة الوحيدة التي وقفت مع الصرب في قتل المسلمين في البلقان.
كما تشير مذكرات طالب شبيب القيادي البعثي بوضوح إلى علاقة مؤسس الحزب ميشيل عفلق بمسئولي المخابرات المركزية الأمريكية في السفارة الأمريكية ببيروت ، و تشير كذلك إلى أن عفلق كان يلتجئ إلى السفارة الأمريكية كلما شعر بالخطر طالبا الحماية. كذلك صرح علي صالح السعدي للإعلام بأن الحزب أتى إلى السلطة في العراق بقطار أمريكي.
اما محاربة حزب البعث للمسيحيين من حزب أولاد مريم ، فهذا يعود لأسباب عديدة منها أن هؤلاء يعارضون الكنيسة المارونية والبابوية ويرفضون القبول بعفلق لانه مرتبط بجهات ماسونية ، كما ان هؤلاء من الشباب المتفتح الواعي لخطورة حزب البعث على الوضع العراقی برمته، ناهیك عن الدور التخريبي لحزب البعث المرتبط بالمخابرات الدولية التي تريد تفريغ العراق من اليهود والمسيحيين لرفد كيان الاحتلال الصهيوني بالمزيد من اليهود وهذا مارايناه في مسرحيات النظام باتهام اليهود بالتجسس وتحريك ازلامه للضغط عليهم أو اخراجهم بالقوة ، كذلك الحال بالنسبة للمسيحيين فإن النظام العفلقي يهدف لضرب عصفورين بحجر واحد ، الأول هو إخراج العقول المسيحية من العراق لأمريكا والثاني هو استيلاء البعثيين على املاكهم ومنازلهم في مناطق بغداد الحيوية ، وبالتالي يكون الحزب قدم خدمات جليلة للقوى الدولية المستكبرة…
اما قصة معتقل الفضيلية فهي جزء من ذاكرة العراق الغارقة في الماساوية حيث كان هذا المعتقل يرمز إلى همجية ودموية هذا النظام واتذكر كيف غيب خيرة شباب العراق في دهاليز وغرف تحت الأرض ، وقد ذهبت في أحد المرات إلى معتقل الفضيلية رغم اني كنت مطاردا من قبل قوات الامن لزيارة احد الدعاة هناك وهو الشهيد جعفر المنصوري ، وعندما لم أعثر عليه خلال بحثي عنه سألت شخصا كان بمنتهى الجمال والشبابية ، الا أنه كان يرتعش وشاربه يرف ، همس باذني انه في زنازين تحت الأرض…
كتاب (مذكراتي) حقيقة تقدح في الذاكرة لتتدلى من خلالها أحداث تلك الأيام المرعبة التي مر بها الوضع العراقي بين مطاردات امنية وبين اضطهاد سياسي وبين مصادرة لارادة وحرية الانسان وبين اعتقالات وحروب وقتل ومسرحيات إجرامية لحزب البعث الذی انشأ مع بداية نشوء كيان الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين السليبة. ليكون هذا التزامن في التوقيت دليلا على الأهداف الكامنة والخطيرة من وراء ذلك ، وليكون معولا للهدم من الداخل ، ولاشغال العراقيين بمشاكلهم البينية ، ولمنع الحركة الإسلامية من التصدي للمشروع الصهيوني الذي كان في طليعة اهدافها .