
بقلم: الكاتبة سرى العبيدي ..
سفيرة الجمال والطفولة والإبداع العالمي..
يبقى الإنسان باحثا عن السعادة والشعور بالأمن والرضى والمتلهف لإنهاء عذاب النفس ، واقتلاع جذور الخوف ، والقلق ، والتحرر منهما …
فالخوف كما يقول علماء النفس ، الخوف من الخطر ، الخوف من المجهول ، والخوف من الضياع ، والخوف من الهجر والترك ، والخوف من الحاجة والفقر ، والخوف من الفناء وضياع الحياة ، وغير ذلك من أنواع الخوف هو سر مأساة الإنسان ومصدر شقائه .
ولخطورة هذا الجواب الضائع ، وأهمية دوره في حياة الإنسان اشتركت أطراف كثيرة في البحث عنه ، ووضع الأفكار الأساسية في صياغته …
كالفلاسفة ، والأطباء ، وعلماء النفس ، وعلماء الاخلاق ، والاجتماع ، وغيرهم ممن يعنيهم أمر الاجابة على هذا السؤال ، ولكن كل تلك الجهود باءت بالفشل ، وعجزت جميعها عن أن تصنع للإنسان صورة السعادة على هذه الأرض .
إلا أن الدراسات والابحاث والاحصائيات المختلفة التي توصل إليها هذا الرعيل من المشتغلين في مجال الدراسات الإنسانية والحضارية تؤكد جميعها أن السعادة لاتأتي عن طريق الاشباع المادي ، ووجودها ليس قضية مادية ، بل هي ( شعور بالرضى والتطابق مع اتجاه الفطرة الخيرة) أو هي ( عبارة عن احساس النفس بالرضى والطمأنينة) .
وإذن ليس بإمكان كل الوسائل والممارسات من الطعام والشراب ، والجنس ، والثروة واللهو ….الخ ، أن توفر هذا الحلم الجميل ، أو تظفر بهذه الضالة المنشودة للنفس الإنسانية ، فليس بإمكان كل اللذات أن تمنح الإنسان سعادته وشعوره بالغبطة والسرور ، لان النفس الإنسانية تتفاعل مع كل هذه المتع ، وعوامل اللذة تفاعلا عابرا مع احساس ظاهر عائم في حياة الإنسان ، ويبقى شعوره النفسي العميق ، وبحثه الضائع عن السعادة يدور في فراغ بائس ، ويهيم في عالم من الخواء والشقاء المروع ، وليس بمقدور شيء غير الإيمان بالله أن يوفر له السعادة ، ويشعره بالرضى والغبطة والسرور ، ويطابق بين نوازعه الفطرية ، وبين ممارساته وشعوره بالسعادة .
ولمفهوم السعادة ، أن الله تعالى بعدله وقسطه جعل الروح والراحة في اليقين والرضى وجعل الهم والحزن في الشك والسخط .
فالهم ، والحزن ، والشقاء ، عقوبة نفسية يفرضها الضمير بشكل لاشعوري على الإنسان ، كنتيجة طبيعية لخواء النفس ، وخلوها من الإيمان بالله ، الذي يشعر النفس بالطمأنينة ، والراحة والاستقرار ، وصدق الله القائل 🙁 الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب) .( الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) .
وهكذا يكون الإيمان بالله ، والتوجه إليه ، وامتلاء النفس بحبه ، ورضاها بالحياة والتوافق مع إرادته هو الطريق الى توفير السعادة والشعور بالطمأنينة ، وامتلاء الوجدان بالحب والإحساس بجمال الحياة ، واحداث حالة من الانسجام بين أحاسيس الإنسان الباطنية وبين أهدافه التي يسعى نحوها في الحياة .
ومن هنا كان الإيمان بالله حاجة نفسية فطرية ، لاتفنى رحلة الإنسان إلا بها ، ومن هنا كان الإيمان بالله حاجة نفسية فطرية . وكم كان دقيقا وعميقا قول الإمام علي بن ابي طالب (ع) وهو يعبر عن هذه الحقيقة ويصوغها قانونا وقاعدة نفسية للحياة حين قال : ( لاحياة لخائف) .
فالشعور بالأمن والطمأنينة والاستقرار اذاً هو أول إشعاعات الإيمان في النفس ، والسعادة والرضا بالحياة هي أولى ثمرات هذه المشاعر التي يزرعها الدين في النفس الإنسانية ، وتنضجها نفحات الإيمان في وجدان الفرد .