كيف يستعيد العراق أعماله الفنية المسروقة؟

شبكة انباء العراق
ليس من السهل أن نغادر أمسنا الذي سملوا فيه عين الورد، أولئك الغزاة الجدد الذين جاؤوا من بعيد، عبروا المحيط والخليج لاقتلاع نخلة، وذبح تمثال، وتمزيق قماش لوحة بضراوة، أو حرق الكتب. ومن الصعب كذلك قبول الرأي الذي ذهب إليه علماء النفس، في تفسيرهم الأحادي الجانب لعمليات نهب وسرقة الآثار والأعمال الفنية (المتحفية)، وحرق الكتب، كنتاج طبيعي لنصف قرن من الاستبداد، والحروب، والانقلابات، والحصارات التي خلّفت نموذجها المشوّه في الشخصية العراقية المستلبة، والتي تجد في مشاهد التدمير والقتل وهدم الحياة، وممارسة الفعل السادي، تحقيقاً لتوازنها النفسي، ورضاها الانفعالي.
إن ما جرى في العراق بعد احتلاله عام 2003، كان عملاً منظّماً مدروساً، أقدم عليه لصوص ومخرّبون محترفون (أفراداً ومؤسسات)، لهم من الخبرة والدراية في أهمية الأعمال الفنية، ومحتويات المتحف الوطني للفن الحديث، وهم خبراء في التعامل مع اللوحة، بنزع إطارها، ولفّها بطريقة أسطوانية خاصة.
وما من شك في أنّ التصدي لموضوعة سرقة الأعمال المتحفية تواجه إشكالات عديدة، وينطوي على غير قليل من المغامرة والحذر، ولا سيما في غياب الدليل والوثيقة، وضعف الموقف الرسمي في المتابعة الجادة والمخلصة. والمشكلة تبدو أكثر تعقيداً حين يتوفر الدليل لدى البعض ويمتنع عن تقديمه كوثيقة تحدد هوية السارق والمهرّب، خشية أن تطال سطوة هذه الجماعات هؤلاء. في هذا السياق يذكر أحد باعة اللوحات الفنية، أن فنانين وسياسيين قدموا له عروضاً مغرية لشراء الأعمال المسروقة.
والأزمة في وجهها الثاني تبدو أشد قتامةً، حين يدّعي السماسرة والمهربون زوراً وكذباً، أن هذه الأعمال هي مقتنيات شخصية، تعود لأفراد وجماعات أقدموا على شرائها في «أسواق العرض»، وبالمناسبة، فإن هذا الفعل يعدّ في مقدّمة النشاطات التجارية التي تحقق أرباحاً طائلة في سوق العرض والطلب..كما لجأت هذه الجماعات إلى «فنون» وحِيل وأساليب تزوير جديدة لأعمال مشهورة للفنانين العراقيين الرواد، وبيعها على أنها أعمال متحفية أصلية. ومن المؤسف حقاً أن يدخل «القلّة» من الرسامين هذا المستنقع الآسن، ليشاركوا في هذا الفعل القبيح.
الإشكاليات هذه لوحدها تعبّر عن سلسلة من الأزمات، لم توضع خاتمتها بعد، وكل فصل مثير من فصولها يدعو للحزن والأسى، ويكشف عن هشاشة الموقف الرسمي الحكومي الممثل في وزارة الثقافة، التي لم تكن جادّة وحريصة، عبر كل إداراتها على معالجة المشكلة في استرجاع الأعمال المسروقة، إذ توفرت لها فرصة ذهبية لن تتكرر بعد، في شراء «المقتنيات» الشخصية، أو على الأقل، البعض منها، حينما منحت الحكومة وزارة الثقافة تخصيصات مالية (كونية) أشبه بالأحلام، لفعاليتي «النجف عاصمة الثقافة الإسلامية عام 2012»، والتي لم تتحقق، فضاعت تخصيصاتها (بين القبائل)، والأخرى، «بغداد عاصمة الثقافة العربية عام 2013»، التي لم تترك أثراً أو مشروعاً ثقافياً مهمّاً، فضاعت الفرصة، ومعها «ضاع الخيط والعصفور». على الرغم من محاولاتنا في دفع الأمور باتجاه تبنّي مشروع شراء الأعمال الفنية، إلّا أنّ المساعي ذهبت أدراج الرياح. والوزارة في أغلب إجراءاتها تعتمد «الهامش»، لا «المتن»، لأنها هي الأخرى تحذّر من تجاوز الخطوط الحمر، لأسباب معروفة. علماً أنّ الوسط التشكيلي يتداول أسماء أفراد وجهات، ودولاً خليجية أو مجاورة وأوروبية، مشاركة بشكل وآخر في سرقة وتهريب وبيع تراث العراق الخالد الذي تركه الروّاد للأجيال القادمة.
لم يعد الأمر يجري في الخفاء، وليس جديداً كما هو معروف، إذ شهدت تسعينيات القرن الماضي بداية تهريب الأعمال، في تصريح لوزير الثقافة السابق عبد الأمير الحمداني، يذكر فيه أنّ دبي إحدى المحطّات الرئيسة لتهريب الأعمال الفنية العراقية والقطع الأثرية إلى الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، وما زالت مئات القطع الأثرية موجودة في دولة الإمارات تنتظر التهريب إلى جامعة «كورنيل» الأميركية!