المقالات

حديث مع قبر الحسين ع

بقلم : وجيه عباس ..

وسألتُ قبرَكَ لم أقُلْكَ عتابا
كيف استطلتَ إلى السماءِ قبابا؟
ويداكَ كيفَ تَجمَّعتْ بجراحِهم
فإذا القيامةُ تستطيل ترابا
وإذا الترابُ جوامعٌ وصوامعٌ
للخلدِ فيك فكنتَهُ محرابا


إني وقفتُ على ثراك فهزَّني
شوقٌ إليكَ يُقبِّلُ الأعتابا
ودلفتُ هيّاباً أجر به الخطى
لولا جراحُكَ لم أكن هيّابا
ولأنت أكبرُ في الظنونِ وماروتْ
تلك القصائد تستعيرُ خطابا
عارٍ تُوزِّعُني الرياحُ كأنَّني
بالدمع أسترُني بها جلبابا
مستوحشاً وأنا الغريبُ وكلُّ ما
بيدي سؤالاتٌ تريدُ جوابا
عذراً إذا سائلتُ قبركَ وحدَه
وأراك وحدَكَ دونه وهّابا
لكن قبرَكَ وهو كونٌ واحدٌ
بابٌ إليك فَدَعْهُ يفتحُ بابا


ياظهرَ ساريةِ الحسين على الثرى
حملَ اللواءَ على الضلوعِ مُهابا
ياكربلاء دم الحسين يضمُّهُ
وَيَقيهِ حرَّ الموحشاتِ غيابا
وَحِجابُهُ مُقَلٌ وكحلُ عيونِهِ
تربٌ يظلِّلُهُ بها أهدابا
كنتَ الضنين به، وأيُّ وديعةٍ
حُمّْلتَها، وجعلتها أسبابا
وطويتَها طيَّ الجناحِ كأنَّما
نسرٌ تصعَّدَ في السماءِ وجابا


أَعَلمْتَ من يغفو بتربِكَ ساجداً
وعلى ترابِكَ يستفيضُ ذهابا
وبأيِّ ضلعٍ يستقيمُ ركوعُهُ
وبأيِّ كفٍّ يتَّقيكُ جنابا
طَحَنتْهُ في أرض الطفوفِ جيادُهم
وَتَوزَّعت أشلاؤهُ أسلابا
رأسٌ يسيرُ إلى دمشق ودونه
جَسَدٌ يسيلُ بكربلاء خضابا
حتى الأصابعُ في يديه تقطَّعتْ
فَتَجمَّعتْ في بردتيك رقابا
دَمُهُ الوضوءُ بمقلتيك فأيُّها
ماءٌ تخلَّقَ في الوجودِ وذابا؟
المُلْكُ والمَلَكوتُ فيكَ تَجمَّعا
أيُّ العوالم كنتَ فيهِ كتابا؟
من آدمٍ لِمُحمَّدٍ، وكأنَّما
اختصرَ الزمانُ بدفَّتيكَ رحابا
مُذ قيلَ كُن:كنتَ استعارةَ تربِهِ
وجرى الترابُ على ثراك وشابا


الآن يُمتَحَنُ الضريحُ بظلِّهِ
فتراهُ دون ظلالِهِ أطنابا
الإنتظارُ وعينُهُ مُحْمَرَّةٌ
زمنٌ يُقطِّرُ طينَهُ تسكابا
الإنتظارُ هناك رمحٌ شاهدٌ
لكنه لايستطيلُ خطابا
أمٌّ على الأبواب واقفةً بها
وترى السرابَ على الرماح رقابا
وَكَأنْ تَمنَّتْ لو تخلَّقَ طينُها
سيفاً ليدفعَ عن حماك ضِرابا


دعني أحدِّثُ فيك نفسي عارفاً
لوكنتُ سائلَهُ بها فأَجابا
ومن السؤالِ إلى العيون معارجٌ
تَتَلمَّسُ البُقيا لديكَ رغابا
أنا إنْ وقفتُ ببابِ قبرِكَ مُفرَداً
لَيَلُمَّني وجعُ الحروفِ صِعابا
وحدي ويمطرُني الدوارُ عجائباً
لكنَّما وثراكَ كنتَ عِجابا
يا أيُّها المذخورُ من أَزَلٍ لهُ
لِتَضُمَّهُ بين الضلوعِ إيابا
ولأنتَ من قَبَضتْ يدا جبريل
قبضةَ تربِهِ فتقاطرتْ أعنابا
هل فيك ينتحرُ الكلامُ إذا جرى
وعلى يديك الحرفُ فيكَ أصابا؟
خَبِّرْ، فقد سَكَنَ الدمُ العلويُّ فيك
وضلعُكَ المكسورُ كان حسابا
تسفي الرياحُ على رمالك والخطى
لاتستبينُ على الوجوه صِخابا
والشمسُ عاريةٌ الثياب، وحمرةُ
الخدين تقطرُ بالزوالِ نقابا
أَرَأيْتَ تلك الموحشاتِ تجمَّعتْ
وَتَفرَّقتْ في جانبيك عذابا
وعلى أديم الأرضِ تحمرُّ الجراحُ
كأنَّها في ميتةٍ تتصابى
وهنا رضيعٌ والقِماطُ يحوطُهُ
مثل السوار أحاطَهُ وأعابا
وعلى الثرى كفّان،بل قمران
ينسكبان فيك توحُّداً وشبابا
وهنا الخيامُ وجمرُها متوقِّدٌ
كان الرمادُ على الوجوه ثيابا
جَسَدُ الحسين على الثرى، وتكاد
تشربُهُ الرمالُ على ظماهُ شرابا
لثلاثةٍ تحت الهجير تركتَهُ
هلّا مددتَ من الترابِ شِعابا؟
أَسَمعتَ من جَسَدِ الحسينِ عتابا؟
كان انتظارُك غربةً ومُصابا
أَ فَلا سعيتَ إليهِ تبريءُ جرحَهُ
وَلَعلَّ…لكنْ زِدْتَهُ إتعابا


أَنا لا ألومُكَ كلُّ جرحٍ شاهدٌ
ولك الشهادةُ لو نطقتَ طِلابا
ياثالث السبعين كنتَ مُوكَّلاً
حدَّ انتظارِكَ في الطفوفِ رِكابا
وصدى رمالِكَ كربلاءُ وأنتَ منْ
صان الوديعةَ فيهِ والأصحابا
وأميرُ مملكة القبورِ وسورُها
لولاك لاغترب الزمانُ وغابا
كنتَ الحسينَ من القبورِ وكعبةً
للثائرين تزيدُهم إغضابا
كنتَ اللصيقَ هناك لا مُتَحَزِّباً
لسواهُ حين تفرَّقوا أحزابا
وحملتَ ديّاتِ الذين تجمَّعوا
بثراك لاتخشى بهم إرهابا
نبشاً وقد أبرزتَ صدرَكَ دونهم
ووقيتُهم نبشَ القبور خرابا
غرسوا بلحمِكَ في الثرى أنيابَهم
وكفيتَهم في نبشِكَ الأنيابا
وغرقتَ والمتوكّلون توارثوا
يَمّاً وقد أجروهُ فيك هضابا
وبقيتَ وحدَكَ كالحسين حمامةً
حتى لتُرعبَ في النزالِ عُقابا
وفِدىً لما ضمّتْ ضلوعُكَ قِبلةً
كنّا بها الأُمناءَ والحُجّابا
كنا بها الشهداءَ ندفعُ أعيناً
ويداً تُجذُّ وقاطعٌ يتغابى
ونسيلُ من ذَهَبٍ لنبلغ قبرَهُ
حدَّ التشفّي من عداك رِغابا


اللهُ ياهذا الضريحُ مُوحِّداً
وسواه عدَّدَ دونه الأربابا
ياواقفاً حد انثناءةِ ظلِّهِ
لكنَّهُ حذرَ الفجائع هابا
وأراهُ في النجوى أطال سجودَهُ
وأحاطَ بالمعنى هناك ثوابا
يبقى على شفةِ السؤالِ فجيعةٌ
والقبرُ والماءُ الفراتُ أجابا
قولا فأيَّكُما الحسينُ على الثرى؟!
وأرى الحسينَ لوحدِهِ أبوابا

11-7-2024

وجيه عباس

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
FacebookTwitterYoutube
إغلاق