المقالات

ناس يفهمونها وهي طايرة

بقلم: كمال فتاح حيدر ..

ليس بالضرورة ان تكون متخصصا في علوم السياسية والاجتماع حتى تفهم الامور كما ينبغي. فغالبا ما تسعفك حواسك ومشاعرك وإنسانيتك في ملامسة سقوف الاستنتاج أو الاستقراء أو الاستنباط. ولكل إنسان فلسفته الخاصة في الحياة. .
قبل بضعة أيام تعرفت على سائق باص (من اصل فلسطيني) لم يكمل تعليمه التمهيدي. كنت اسمعه يستعرض اسماء الزعماء الذين ماتوا ورحلوا منذ عقود إلى العالم الآخر. أراه تارة يترحم عليهم، وتارة يلعنهم. فسألته: لماذا تترحم عليهم رغم انك تنعتهم بالطغيان والفساد ؟. .
فقال : ذلك لأن طغاة اليوم ساروا على نهج طغاة الامس، وربما تفوقوا عليهم في تطوير أساليب البطش والظلم والتعسف. .
سألته: وهل يشعر الطغاة بالضعف والخذلان ؟. .
فأجاب: نعم. ولكن بعد تماديهم في ارتكاب المجازر والفواحش والاعتداءات السافرة. وبعد ان تتخلى عنهم القوى الداعمة لهم. إنظر إلى عزلة نتنياهو الآن، لقد تضاءل تعداد الحكومات الاوربية المؤيدة له، وتغيرت مواقفها في التعامل معه. .
سألته: وهل اختفت أصوات العدالة الإنسانية ؟. لأنه من غير المعقول ان يتناسل الطغاة ويتعاقبوا على الحكم الواحد بعد الآخر من دون ان يقاومهم احد ؟. .
قال: هذا صحيح، ولكن أتى على اهل الحق زمن ظنوا فيه انهم مجانين، وذلك من فرط الوقاحة والثقة التي يتحدث بها اهل الباطل. .
ثم سألته عن جدوى المساعدات التي أرسلتها الولايات المتحدة بالمظلات الى سكان غزة ؟. .
فقال لي: هذه تمثيلية ساخرة. كلنا نتساءل عن الغاية وراء إسقاطها بعض الصناديق بالمظلات، وهي التي مدت جسورها الجوية المباشرة مع مطارات الارض المحتلة لنقل السلاح والمؤن والذخيرة. .
تعجبت من فطنته وسرعة بديهيته، وإجاباته الدقيقة المختصرة. فطلبت منه ان يتحملني قليلا، ويجيب على سؤال الأخير: ما هي علامات النصر باعتقادك ؟. .
قال: عندما ترى الداعمون للظالم يتذمرون من ظلمه، وينتقدون طغيانه، فأعلم ان نهايته اقتربت. .
ودعته على أمل اللقاء ثانية. وكنت احدث نفسي في طريق العودة عن ذلك المغفل الذي منح نفسه درجة خبير في علوم البحار والانهار وفي ترسيم الحدود وترويض القرود. وهو لا يعرف كوعه من بوعه. وتنطبق عليه نظرية احدهم في إعداد الانسان الجحش، حين قال: (هات أي مغفل، ثم اسبغ عليه الألقاب، وامنحه النياشين والأوسمة، وارفعه إلى اعلى درجات السلم الوظيفي. ثم انظر بعد ذلك إلى أعماله وافعاله). .

د. كمال فتاح حيدر

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
FacebookTwitterYoutube
إغلاق