جائحة النفاق العربي
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
ظهر النفاق واضحاً جلياً في ديار العرب وفي سلوكهم، حتى اضحى انتشاره وتعمقه في أيامنا هذه أشبه بجائحة فاضحة أصابت الغالبية العظمى منهم. فالمصريون والأردنيون يعلمون علم اليقين بتداعيات الحصار الذي فرضه السيسي وملك الأردن على القطاع لانهم على مرمى حجر منه، ويعلمون كيف قطع زعماؤهم الماء والكهرباء والغذاء، واغلقوا منافذهم ومعابرهم بوجه الجياع. ربما يقول قائل: ان الشعوب مغلوبة على أمرها، لكن حقيقة الأمر انها شعوب منافقة باستثناء القلة القليلة منهم. .
شعوب تصلى وتصوم وتحج وتعتمر وتبكي خشوعا وتضرعاً ثم تصفق للعملاء وتنتصر للمتواطئين، وتغض الطرف عن جرائم التجويع والقتل والترويع. شعوب لا تنصر مظلوماً، ولا ترد ظالماً. تمرح مع القطعان وتبيت في أحضان الشيطان، وترقص مع القرود والسعادين. .
اما اخطر أعراض هذه الجائحة فتتمثل بجوقة المطبلين والمزمرين الذين أعادوا إلى الأذهان ما كان يتشدق به شاعر البلاط المصري عام 965 م. بقوله:
ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ
فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ
وكأنّما أنتَ النبيُّ محمّدٌ
وكأنّما أنصاركَ الانصارُ
فما تردده قنواتهم هذه الايام أشد عهرا ونفاقا مما كان يتغنى به ذلك الشاعر الكذاب. .
انظروا كيف يتحدث الإعلام المصري الآن عن جهاد السيسي وضراوته في مواجهة نتنياهو، في الوقت الذي يعلم سكان كوكب الأرض كلهم ان السيسي يشترك مع الصهاينة في تنفيذ مخططاتهم التوسعية والعدوانية في المنطقة، ويعلمون انه الداعم الأقوى لكتلة الليكود، وهو الذي يشدد الحصار على اهلنا في غزة، ويمعن في ابتزازهم وتعذيبهم، ويمارس ضدهم ابشع أساليب الضغط، لكنه اصبح اشهر أبطال منصات التواصل في كتابات الداعمين له. .
خرجت الجماهير الكروية عن بكرة أبيها في الأردن لاستقبال فريقهم الكروي، بينما كانت الراجمات الصهيونية تصب حممها فوق رؤوس المحاصرين في رفح على بعد بضعة أمتار منهم. .
توغل الاسرائيليون الآن بكل وحشية بين خيام النازحين إلى رفح، وفعلوا الأفاعيل أمام انظار الجيش المصري، وعلى مرأى ومسمع العرب. فلم تهتز شواربهم، ولم تنعقد قمتهم، ولم نسمع أصوات خطبائهم الذين ظلوا حتى الآن يكيلون الشتائم واللعنات لقادة المقاومة. .
شيء آخر: لا تندهشوا من وقوف الشعب العربي موقف المتفرج، ولا تتعجبوا من سكوته إزاء هذا المجازر، ولا تستغربوا من تخلفه عن نصرة أشقاءه. . فكل القصة وما فيها انه شعب خانع يدين بالولاء المطلق للحكام والزعماء ولا يستطيع الخروج عن طاعتهم، شعب فقد مروءته وفقد عروبته. .
قالت غزة: (لو أن لنا معجزة من الله كمعجزة أهل الكهف ننام طويلاً ونستيقظ على أمة غير هذه الأمة). فعذرا غزة لو كان العذر ينفع. لو كان الأسف ينفع. فنحن نأسف والقلب موجوع والعين تدمع. وبحق من خلق كل شيئ لن ولن ولن ننسى ما يحدث كل يوم. حسبنا الله ونعم الوكيل في المنافقين الذين خذلوكم. .