المقالات

أحيا وأموت عالبصرة

بقلم: فراس الغضبان الحمداني ..

البصرة مدينة السياب والنخيل الباسقات والشعر اللذيذ والندى المتصل ببخار البحر المتصاعد من ضفاف الخليج على مدينة يستهويها الجزع والحزن وتطرب على أصوات الشعراء وحفيف الشجر ونداءات البحر وتنصت طويلاً للموسيقى التي تأتي من شباك الصيادين وتترنح سكرى حين يأتي المساء ويكون شط العرب متهادياً مثل نسمة أو مثل غيمة بعيدة في أفق محمر يقترب منه الليل ويشتاق للفجر والصباحات الندية ألتي تتعاقب على مدينة طالما حاصرتها الحروب وساق إليها الموت جنوده وعاندها الطغاة وعطّشوا أهلها وجوعوهم وبعثوا بهم إلى المحارق والزنازين والمتاهات وحاصروا الشعراء ولم يتركوا لهم متسعاً ليتنفسوا الحياة ولكنهم يقاومون .

البصرة ألتي صمدت في وجه كل طاغية حكم العراق وكل فاسد تأبى أن تغير من عاداتها سواء في مسائل الحب والشجن أم في مسائل الخوف ، ولا تنزع ثيابها إلا في الظلام لكي لا يراها السفاحون ، مدينة أطل منها السياب وقبله أبو نؤاس القادم من الشرق قاطعاً المسافة منها إلى بغداد بألف بيت من الشعر إستجابة لنداءات خلف الأحمر ووصاياه الشعرية الخالدة .

البصرة مدينة التاريخ ألتي إفتتح الشرق من بواباتها وعبرت سفن الفاتحين من موانيها وهي تحمل الجنود الذين فتحوا البلدان ونقلوا إليها الجواري والذهب والتراث والكنوز المتراكمة ليشبعوا شهوة هذا الخليفة وذاك متناسية أحقادها وتأبى أن تكون شريرة فهي معبر لكنها منبر للحيارى من خلالها يسمع نداء المستغيثين من العطش والحر والألم والموت ، لم ترهبها الحروب أبداً وظلت عصية على الهزيمة وبقيت تتحدى العقبات مثل رجل شجاع يأبى أن ينهار برغم كل ما يحيطه من تحديات وعذابات ومهام جسام .

البصرة اليوم جزء من معاناة أمة تمتد من الشرق إلى الغرب تعانق الموج وتنتظر التغيير وساعات الأنس بالحياة الجديدة المطوقة بجيوش الحزن والرهبة فأهلها يتظاهرون كما تظاهر كثير من العرب ولكن أهل البصرة يتظاهرون من العطش ومن ظلم ذوي القربى ومن الذين نادوا بإسمها وواجهوا الدكتاتورية من خلالها وكانت عنوانهم وسلاحهم القوي الذي لا يقهر .

البصريون يريدون الماء في أيام عاشوراء وبدلاً من أن يمشوا إلى كربلاء صاروا يقصدون البحر والنهر ويجدونهما مالحين كالحين قاتلين لا أثر للعذوبة فيهما ولا رجاء بهما فقد إنقطع الفرات وشاخت دجلة ولم يعد لهما من حضور في الجنوب إلا العطش الحزين .

البصرة تريد رجالاً يغيرون وقادة يحزمون أمتعتهم ويتوجهون إليها ليحركوا الساكن ويغيروا الحال ويقنعوا أبناءها بأن ما يطالبون به سوف يتحقق وبسرعة ولن يؤجل لأن الصبر قد نفد والعهد الذي قطع لم يتحقق منه شيء ، عندما أعلنت المعاناة في التظاهرات كانت رسالة أهل البصرة برغم ما إنتابها من تشويه ومحاولات حرف عن المسار .

المجد للبصرة الفيحاء وأهلها النجباء وشهدائها السعداء وسوف يتحقق المنشود بصبركم وعزيمتكم يا أبناء البصرة الأصلاء .
Fialhmdany19572021@gmail.com

فراس الغضبان الحمداني

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
FacebookTwitterYoutube
إغلاق