شهادة للتاريخ …
بقلم .. أياد السماوي ..
لم أكن يوما مقتنعا بالكثير من مواقف وأداء المؤسسة القضائية العراقية في عهد ما بعد نظام صدّام المجرم , ولم أكن يوما راض عن أخطاء القضاء العراقي منذ الإطاحة بالنظام الديكتاتوري المجرم وحتى هذه اللحظة , خصوصا فيما يتعلّق بموقف القضاء العراقي الأخير من فضائع لجنة الأمر الديواني رقم 29 برئاسة الفريق أحمد أبو رغيف وما جرى ويجري فيها من انتهاكات وجرائم ستبقى وصمة عار في جبين النظام الديمقراطي الوليد في العراق , وبالرغم من اختلافي في الكثير من المواقف مع رئيس مجلس القضاء الأعلى السيد ( فائق زيدان ) وصمته عمّا يجري من انتهاكات خطيرة للقانون والدستور في لجنة أبو رغيف سيئة الصيت والسمعة , وتقاعس وتباطئ القضاء العراقي بشكل عام عن القيام بدوره القانوني والأخلاقي في إنهاء مهزلة لجنة أبو رغيف , إلا أنّ شرف المسؤولية والأمانة وشرف الكلمة يدعونا إلى قول كلمة الحق والإنصاف حتى مع من نختلف معهم بالرأي أو الموقف ..
قبل بضعة أيام صوّت مجلس النواب العراقي بالإجماع على تعديل القانون رقم 30 لسنة 2005 الخاص بالمحكمة الاتحادية العليا , بعد تعطيل دام حوالي السنتين لعمل المحكمة الاتحادية وإدخال البلد في منطقة الفراغ الدستوري بسبب إلغاء المادة ( 3 ) من القانون رقم 30 من قبل رئيس المحكمة السابق مدحت المحمود من دون تهيئة البديل لمثل هذه الخطوة التي أربكت البلد وتسببت بتعطيل عمل المحكمة .. وفي رأي المتواضع إنّ الخطوة التي أقدم عليها مجلس النواب العراقي في تعديل القانون رقم 30 لسنة 2005 الخاص بالمحكمة الاتحادية العليا هي أفضل ألف مرّة من الذهاب إلى قانون المحكمة الاتحادية الأصل , بل لربّما هو أهمّ قانون تمّ تشريعه خلال كلّ دورات مجلس النواب العراقي .. والحقيقة أنّ الكثير من العراقيين لربّما لا يعرفون أهمية تشريع القانون رقم 30 لسنة 2005 في بناء الدولة المدنية الحضارية , وماذا يعني تشريع هذا القانون ومن هو الشخص الذي وقف بشجاعة وصلابة في دفع مجلس النواب للذهاب إلى التعديل بدلا من الذهاب لتشريع القانون الأصل المليء بألغام الأحزاب المتأسلمة ؟ ..
وللتاريخ أقولها .. إنّ من عمل على تشريع تعديل القانون رقم 30 لسنة 2005 , وتبّنى القضايا الأساسية التي تبنى فيها الدولة والقضاء تحديدا وفق رؤية مدنية حضارية , ووفق ما نادت وطالبت به كلّ القوى المدنية والنخب الثقافية في المجتمع , هو السيد فائق زيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى .. فلا يخفى على أحد إنّ مجلس النواب العراقي كان باتجاه تشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا الجديد المتضمن إشراك خبراء الفقه الإسلامي وخبراء القانون بصفتهم أعضاء أصلاء في في تشكيل المحكمة , وليس هذا فحسب بل لإعطاء خبراء الفقه الإسلامي أولوية أو أفضلية في قرارات المحكمة التي تتعلّق بأحكام ثوابت الإسلام , خلافا للأعراف القضائية ونصوص القوانين التي تنص على أنّ القرار القضائي الصادر من الهيئات القضائية يصدر أمّا بالاتفاق أو الأغلبية كما هو متعارف عليه في جميع قوانين العالم المتّحضر وغير المتّحضر .. وهذا ما كانت تصرّ عليه القوى المتأسلمة التي استقتلت من أجل فرض بدعة إصدار القرار برأي خبراء الفقه رغم كونهم أقلية في تشكيل المحكمة .. وهنا يجب أن نذكر للتأريخ الحقيقة التي يعلمها جميع أعضاء مجلس النواب والقادة السياسيين , إنّ الشخص الوحيد الذي أدار بوصلة التشريع في مجلس النواب من تشريع أصل القانون بتشكيلته التي تضمّ خبراء الفقه الإسلامي وخبراء القانون إلى الخيار الآخر البديل بتشريع تعديل الأمر رقم 30 لسنة 2005 , وبالشكل الذي ضمن ولادة محكمة محكمة بديلة للمحكمة الحالية بصيغة مدنية قضائية لا يشترك فيها غير القضاة , هو رئيس مجلس القضاء الأعلى ولا أحد غيره .. نعم مارست النخب الثقافية والإعلامية دور الضغط الإعلامي ومنهم كاتب هذه السطور في عدّة مقالات , لكنّ ذلك لم يكن كافيا في منع مجلس النواب من المضي بما كان ينوي القيام به في تشريع قانون ( محكمة الخبراء والفقهاء ) .. وقد يعتقد البعض أنّ تفضيل رئيس مجلس القضاء الأعلى لقانون التعديل على قانون الأصل , هو لربّما بسبب دوره في ترشيح رئيس وأعضاء المحكمة الجديدة , وهذا غير صحيح بالمطلق لأنّ صيغة المادة 3 في قانون المحكمة الأصل هي مطابقة لصيغتها في قانون التعديل , أي أنّ دور رئيس مجلس القضاء الأعلى هو نفسه في القانونين .. ختاما .. أملنا كبير بولادة محكمة اتحادية عليا مستقلّة وبعيدة عن المحاصصات اللعينة .. هذه شهادتي للتاريخ ..