قراءة في نص مسرحي..(ليلة ضياع الشمر) للكاتب عدي المختار
(هو أحد النصوص الفائزة في مسابقة المسرح الحسيني العالمي لعام 2014م الذي اقامته العتبة العباسية المقدسة)
تشكل واقعة الطف الحسيني المبارك مادة غنية للأدب كتاريخ له مساحة وجدانية واسعة في ذات التلقي، ولها يقظة شعورية محفزة للتعالق الوجداني، وواقع مليء بالأحداث الفاعلة من رموز السلب والإيجاب، وهذه بحد ذاتها مؤثرات تترك مساحات واسعة لاشتغالات الخيال، وخلق المعادل الموضوعي، ومن ثم اسقاطات الواقع الضميري على الواقعة، لوجود الصراع الذروة في معناه، ليصوغ من الأدب ما يشاء من اثارة ومتعة، ويستخلص منها دروس الحكمة والتصابر، وبالمقابل ما يعاني المجتمع البشري من فوضى الجشع لصياغتها أثراً أدبياً يبتعد عن سرديات العرض المباشر للوصول الى ذهنية التلقي، ومسرحة الواقعة لها جانب فكري مرتبطا بقيم النهوض الحضاري الانساني، ولها رسالة فكر سامية، تحظي بالشعور الجمعي.
الكاتب المسرحي ليس مؤرخاً، وإنما يعتمد على الحدث التاريخي، ولهذا نجد ان لكل كاتب اسلوبه الخاص بالتعامل مع حيثيات الواقعة التأريخية، والكاتب عدي المختار في (مسرحية ليلة ضياع الشمر) سعى لاستخدام العديد من الاساليب التي تظهر قدرته الابداعية مثل استخدامه للزمن المفتوح، والزمن في الدراما المسرحية يرتبط بمؤهلات الحراك النصي الذي اختاره الكاتب عدي المختار خروجاً من أسر الحدود الزمكانية وهذا ايمان بأن زمنية الطف كواقعة غير محددة بزمن، فهي ما زالت قائمة وعناصرها ممتدة كأطياف تابعة لرموز الحدث الأساسي والزمان من المحاور الاساسية في النص المسرحي، وعدم تحديده يعني اظهار الأبعاد الجمالية والايحائية لبلورة الدلالات.
ومن مميزات الزمن النص المفتوح، لتجاوزه على القولبة الجاهزة في نمطية المسرحة، فتتوهج شعرية النص المسرحي عبر مساحات التخييل والتكثيف والانزياحات المكتنزة بدلاليات اللازمان، ولذلك نجده ارتكز في مسرحيته على التضاد (الدلول × الشمر) والمعادلة الصوت الحسيني وحز الرؤوس، كفعل مسرحي لا يعني قص الرؤوس الفصل عن الاجساد بل حز الفكر عن الفعل الحياتي، وهذا سيظهر الخطأ الذي سقط فيه الشمريون عندما ظنوا أن حز الرؤوس سيميت الفكر.
بعض المسرحيين ما زالوا يتخوفون من استثمار وتوظيف الطاقة الشعرية داخل النص المسرحي، بينما ممكن للمسرحي امتلاكها لتقوية التصاعد الدرامي، دون ان يترك مجالاً للشعر يجعله قادرا على امتصاص الفعل الدرامي، وانما اتصلت شعرية النص بالنسق الداخلي، فأصبح بوح الشمر يعري موقفه الذليل اثر نفسين، اولهما: الجهل فالشمر لا يعرف معنى ان يكون هناك في الآخرة حساب، والشمر الثاني: يجهل سبب العذاب الأخروي.
وأما النفس الثاني يتمحور حول مفهوم الانا المريضة، ومن هنا تأتي صياغة الدلالة الشعرية في عمق المسرح بارتكازه على دوران الناعور والذي كان تسخيرا ذكيا لتعالقات الزمانية تتمتع بالثراء الدلالي، ويشكل فضاء معنوياً، فالناعور دوار وللاستقرار يظهر نوعية التحولات الفكرية لكل (أنا) فردية، كانت او جمعية المفهوم الجوهري لمعنى التكوين: كالتفكير السلبي للشمر على مقولتي (نحن لم نخذل الحسين) أي نحن لم نبعث خلفه رسائلنا أن تعال، ولم نخدعه بالرفض والقبول، وإنما كنا صريحين بالعداء، والمقولة الثانية (القلوب معك والسيوف عليك)، فكان الناعور يرسم تكوينات الزمن الشعري، والزمن النفسي وتحولات هذه الازمنة الى الزمن الخاص في النص المسرحي: (الحاضر، الماضي، المستقبل) مزيج من تحولات فكرية.
الناعور اعادة احلام السلب ليتغنى بخنوعه وانتقاصه المستمر للنساء، فهناك مفهومان للحر المفهوم الاول عندنا هو رجل شجاع وثائر انقلب على واقعه وخلد نفسه حراً أبياً، أما المفهوم الثاني الذي عندهم فهو رجل جبُنَ فخان، بهذا يصبح الناعور الدليل على ان الحر منصور وان عقله نصره.
وأسلوبية الحوار الشعري في النص المسرحي فتح آفاقاً رحبة للمتلقي لتكوين ومضات ابداعية تؤثر في وجدان المتلقي وعقله ورؤاه، واعتبره النقاد من الأساليب المهمة للمواقف الدرامية التي تسمو في الموقف الدرامي ليثير التعبير الاحساسي والشعوري والتلوين الادائي.
شعرية النص في المسرح تكشف عن الرغبات والصراع من اجل خلخلة القناعات، من اجل خلق فكرة مقنعة، يرى بعض النقاد أن شعرية النص المسرحي وضعت لخلق ثيمة فكرية في عقلية المتلقي، ومن ضمن تلك الجمل الوامضة التي بثت في روح النص (غيري معالم الصمت) فلقد وجهت الومضات الشعرية داخل النص المسرحي، يعني خلق لحظة او مشهد أو موقف أو احساس شعري، خاطف يزيد رصانة النص، ويولج المتلقي الى عمق الحدث.
جاء في نص (ليلة ضياع الشمر): (كل زمان يخذله فحولته..) ويظهر السعي الاقتصادي انتماء الى عوالم الومضة لتتواشج مكونات النص الاساسية، كومضة (ينحر خيوط الوحي) للومضة الشعرية القدرة على خلق روح جمالية ودلالات تأخذنا الى ما ورائية النص، فمثلاً جملة (ممتعا لحد الثمالة) عندما تصدر من الشمر والناعور يدور فهي تبين خفايا انتماءاته العبثية، واعتبرت الومضات الشعرية تؤثر تأثيراً مباشراً في المتلقي، وتكون بمثابة تلطيف الجو (انين الخيام ارتجازات مظلوم).
البعض يرى أن بعض تلك الومضات في المسرح تعمل على شمولية التلقي (قلب يختصر كل القلوب)؛ كونها تصبح قضية انسانية لقلب يختصر كل القلوب، مهما كانت هوية هذا القلب فهي مؤثرة، وهناك الكثير من الومضات الشعرية التي سعى الكاتب لاثارتها، مثل: (عش كدلاء الناعور فملؤه اللعنة وتفرغه الخيبات)، وهناك الكثير من المسرحيات العربية والعراقية كان سبب نجاحها هي شعرية لغتها وما يسميها النقد بفوضى الحواس الذي هو اساسا تجاوز السائد والمبتذل والممكن الى فضاء اوسع، وهناك الكثير من هذه الومضات الشعرية (نخرت حروفي بابا/ عقول صماء/ تعثرت بأنفاسك) وبهذا الشعرية خلقت المسرحية عمقها الدلالي وحققت الدهشة.